المفتي الشيخ عبد الحميد الطيار الكيالي

 

الشيخ عبد الحميد بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد طاهر بن محمد الطيار الكيالي

 

ولادته ونشأته

ولد بحلب سنة (1295هـ ـ 1876م) ونشأ في أسرة علم وديانة، وأخذ مبادئ علومه وأسس أخلاقه على والده الشيخ أحمد، وجده الشيخ محمد طاهر ، وما أن شب حتى التحق بالمدرسة الشعبانية يتلقى فيها العلوم الشرعية والعربية عن كبار شيوخها، ولعل أكثرهم تأثيراً في بنائه العلمي، شيخه الشيخ محمد رحيمي الجذبة

 

دراسته في الأزهر

لم يرتو ظمأ الشيخ إلى العلم في حلب فشد الرحال إلى القاهرة ليلتحق بأزهرها الشريف، وينهل من منابع علمه الثرة، على شيوخه الأجلاء أمثال الشيخ محمود محمد خطاب، والشيخ حسين الطرابلسي الحنفي، وغيرهم من العلماء الذي شهدوا له بالعلم والفضل، وأجازوه إجازات عامة مهروها بتوقيعهم

 

أعماله ومناصبه

عاد الشيخ بعدها إلى حلب موطنه ليحمل راية نشر العلم والجهاد ضد المستعمر، وقد قام بهاتين المهمتين على أكمل وجه، من خلال أعماله ومناصبه التي تسلمها وأهم هذه الأعمال

التدريس والإرشاد في جامع العمري في حي بحسيتا

التدريس والوعظ والإرشاد في جامع الحاج موسى الأميري

الإمامة والخطابة في جامع الحاج موسى منذ سنة 1330 إلى أن وافته المنية

المدرس الأول في المدرسة الشعبانية

عضو المجمع العلمي العربي في دمشق سنة 1345هـ

رئيس لجنة المجمع العلمي بحلب، ومهمتها: إصلاح المدارس الشرعية، الخسروية، والشعبانية، والإسماعيلية ـ ووضع نظام تعليمي لها، والعمل على وضع مناهج وطرق تدريس حديثة فيها، وذلك بتكليف رسمي من مدير الأوقاف الشيخ محمد يحيى الكيالي

عضو مجلس الأوقاف العلمي والإداري

إفتاء منطقة جبل سمعان سنة 1919

إفتاء مدينة حلب منذ سنة1922، وذلك بعد وفاة مفتيها الشيخ محمد العبيسي

وهكذا باشر الشيخ مهام الإفتاء، بسَعَة علم، ورجاحة عقل، ورحابة صدر، ومحبة وسعت الناس جميعاً، ملتزماً بأحكام الدين الحنيف السمح، مبتعداً عن التعصب المذهبي، آخذاً بآراء فقهاء المذاهب كلها، يقدم ما فيه الصواب واليسر، يردد في جميع مجالسه كلمته المعهودة: ( إن ديننا الإسلامي دين يسر لا دين عسر) فمالت إليه القلوب، واطمأن إلى أحكامه العامة والخاص، حتى إن كثيراً من أهل الديانة المسيحية في حلب، كانوا يرجعون إليه في حل مشكلاتهم وقضاياهم، ويأخذون بحكمه، يستقبلهم بكل بشاشة، ورحابة صدر، ويقدم لهم الحلول المناسبة لمسائلهم وخلافاتهم

ونظراً لموقع منصب الإفتاء الذي تسلمه الشيخ، ولمكانة أسرته العريقة، ولمحبة الناس له، وأخذهم برأيه، فقد كانت السلطات الفرنسية تتودد إليه كجزء من سياستها في التسلط على الناس، وتشتيت الصفوف الوطنية، لكن الشيخ كان مدركاً لأهداف المستعمرين، يتعامل معهم بكل حذر مستفيداً من توددهم له في خدمة قضايا وطنه ومواطنيه، ويجعل من نفسه ستاراً لكل عمل وطني يقوم به رجال الثورة الوطنية الذين كانوا يتخذون من داره مكاناً آمناً لاجتماعاتهم، فلا يثيرون شبهة الفرنسيين بهم

ولهذا كان الشيخ كثيراً ما يستقبل المندوب الفرنسي ببشاشة وترحيب، وذلك لكسب ثقته، بهدف خدمة وطنه وأمته

أما بعد الاستقلال، فقد اتخذ الشيخ منهج النصح والإرشاد، يسديه بالحكمة والموعظة الحسنة، للقيادات المتعددة التي تسلمت راية الحكم بعد الاستقلال

وقد عمل الشيخ أثناء توليه لمنصب الإفتاء، على خدمة الإسلام والمسلمين، داخل وطنه وخارجه فهو دائم السعي في مصالح المسلمين يساعد الفقراء، ويقف إلى جانب الضعفاء، ويدعم بناء المساجد وعمارتها، وقد تولى بنفسه الإشراف على لجنة جمع التبرعات لإعادة بنا ء وترميم المسجد الأقصى، وذلك بطلب من مفتي القدس، كما أسهم في جمع التبرعات الوفيرة لبناء جامع (باريس) وفرشه واستكمال متطلباته

 

أخلاقه وأوصافه

كريم النفس، واسع الحلم، يواجه الإساءة بالإحسان والتسامح متواضع، يقوم على خدمة الصغير والكبير، ويسعى في إصلاح ذات البين ما وسعه ذلك

ورع زاهد في الدنيا، أتته فوضعها في كفه، ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر

نحيل الجسم، مستقيم العود، طويل القامة، دري اللون، رقيق الوجه، حسن اللحية، لا تفارق ثغره ابتسامته الهادئة

ظل الشيخ قائماً على الإفتاء أكثر من ثلاثة عقود، إلى أن وافته المنية في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر شوال سنة (1375هـ ) الموافق  1/6/1956  وحزن عليه أهل بلده، وشيعوه بجنازة اجتمع لها الآلاف من العلماء وطلبة العلم والناس عامة إلى مثواه الأخير في مقبرة الصالحين