البيت الكيالي
من مواليد ادلب سنة 1116هـ/ 1704م والده الشيخ اسماعيل الرابع الكيالي
تردد على زاوية الكيالي للتعلم في حفظ القرآن والعلوم الشرعية والعربية، ومن أساتذته الشيخ أحمد الكاملي والشيخ علي الجوهري والشيخ يوسف الحميداني والعلامة الاسقاطي أحد الشيوخ الأزهرية، ولعله هو الذي شجعه على السفر إلى مصر
برزت موهبته في حب العلم وتحصيله في حلب، ولما ارتحل إلى دمشق كانت شهرته قد سبقته وعلماء الشام استفادوا من علومه مقرين بعرفانه. بعد عودته إلى ادلب، تابع نشر علمه إلى جانب أبيه في زاويته، والجدير بالذكر أن السلطان محمود الأول طلب والده اسماعيل للتبرك بحضوره بواسطة والي حلب، لكنه اعتذر لما عرف عنه زهده في الشهرة، فأرسل نيابة عنه ابنه شعيب، بعد إعداد العدة للرحيل أوصاه والده ألا يقبل هدية سلطانية لا من السلطان ولا من مثل في حضوره
تلقاه السلطان بالترحاب وغاية الإكرام، ولاحظ سعة علمه وظهوره في المناظرات العلمية على علماء دار المشيخة الاسلامية والتي تضم فحول المتبحرين في العلوم المعقولة والمنقولة، وقد مال إليه وأحبه شيخ الإسلام مصطفى أفندي، ويزوره كل جمعة للتبرك بزيارته والنهل من علمه ويتقرب أكثر إلى فضائل أخلاقه ومكارمه
ثم أنه استأذن الحضرة السلطانية في العودة للأوطان، فأذن له بعد أن عرض عليه تحفاً وهداياً ونقوداً فلم يقبل منها شيئاً، معتذراً له عن ذلك بوصية أبيه ومبالغته في الوصية، فقبل المعذرة ولكنه سأله عن نسبه فأراه إياه فإذا مسلسل الاتصال بالسيد الكبير صاحب واقعة الكيل دفين الترنبة ومنه إلى حضرة سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والتسليم من ولده سبطه الحسين مطرز الحواشي بتصديق العلماء والنقباء والوزراء، واطلع على ما في يده أيضاً من فرمانات أسلافه السلاطين العظام المتسلسلة من عهد استيلائهم على الديار الحلبية إلى ذاك العصر، الطافحة بالاعتناء والحرمة لهذا البيت الطاهر وامتيازهم عن بقية الرعية بمزايا عالية
صدر أمر السلطان بإعفاء هؤلاء السادة وأبناء عمهم وأتباعهم من كافة التكاليف والضرائب الأميرية (وعدد أنواعها المضروبة يومئذ حتى الأعشار)، وورد فيه : لا نريد منهم إلا الدعاء مع المحافظة على حرمتهم وتعظيمهم بمعنى الكلمة، وأني أوصي وزرائي المتتالية إلى حكومة حلب أن يعتنوا بهذا غاية الاعتناء وأن يأمروا المتسلمين الحكام المرسلين إلى ادلب بذلك والحذر الحذر من المخالفة ثم وقعه بتوقيعه (الهمايوني) السلطاني وسلمه ليد الشيخ قائلاً له: هذا ليس نقداً ولا متاعاً فقد حافظنا على وصية الوالد فأرجوك وإياه الدعاء لي وللمسلمين بتوقيفنا جميعاً لخدمة الدولة والله وتأييد الدين المبين، ثم ودعه وشيعه باحترام وإعظام إلى باب الديوان، وأمر شيخ الاسلام ورجال معيته بتشييعه إلى البحر، فمشوا جميعاً معه إلى أن شيعوه بكمال الاحتفاء والاحتفال
قال تلميذه الخاص وخادمه الشيخ محمد صالح الحميداني: ثم في سنة اثنين وسبعين ومائة بعد الألف أزمع الرحيل إلى أداء فريضة الحج فودعه علماء الأزهر آسفين على فراقه لما رأوا من مكارم أخلاقه وتوجهه، وتوجهت لخدمته، إلى أن أدينا فريضة الحج وكافة المناسك، ثم توجهنا إلى زيارة جده الاعظم صلى الله عليه وسلم، فلما وصلنا إلى موقع (خليص) بين الحرمين المحترمين، قال لي: يا ولدي قد دنت المنية فعليك بتقوى الله في السر والعلانية، ونطق بكلمة الاخلاص وفاضت نفسه الكريمة راجعة إلى ربها راضية مرضية. فبكيت ما شاء الله أن أبكي، وبكى معي أكثر الحجيج لما كانوا يرون من عنايته بالفقراء والضعفاء ومكارم الاخلاق أثناء الطريق، وهناك أودعت جسده الشريف وذلك أوائل ربيع الأول سنة 1172.