الشيخ المفتي محمد طاهر المنلا الكيالي

نسبه ومولده
ولد في ادلب عام 1864 م  - والده السيد عبد القادر بن السيد محمد بن السيد أحمد الكيالي ( الشهير بالمنلا ) ابن السيد محمد بن السيد أحمد بن السيد الأستاذ الشيخ إسماعيل الكيالي الرابع دفين الزاوية النورية بإدلب

دراسته وشيوخه
حفظ القرآن الكريم وتعلم الكتابة على يد أحد القراء في إدلب، ثم حضر على عمه الشيخ أحمد منلا الكيالي، فقرأ عليه مبادئ اللغة العربية، والفقه والتوحيد، وحضر كذلك على بعض علماء إدلب، ومنهم ابن عمه، الشيخ محمد الكيالي، الشهير بالنائب، والشيخ عمر الشعار
ثم رحل إلى مدينة حلب، ولازم دروس العلماء هناك، وتلقى عنهم العلوم الشرعية و علوم اللغة العربية
ومنهم الشيخ العلامة المتكلم حسين الكردي، والشيخ شريف الكردي، والعلامة الشيخ الفقيه اللغوي الشاعر المقرئ محمد بشير الغزي، قاضي القضاة، والعلامة الكبير الشيخ الفقيه محمد الزرقاء، والعلامة الشيخ عبد السلام الترمانيني، وغيرهم، وكانوا يتفرسون فيه النجابة والذكاء

إعفاؤه من الخدمة العسكرية
وحينما طلب للخدمة العسكرية، وهو في سن العشرين، وكانت الحكومة العثمانية منحت لطالب العلم خاصة، إذا أدى امتحاناً لخمس سنوات ونجح وأخذ شهادة، فإنها تعفيه من الخدمة العسكرية، فكان الشيخ محمد طاهر، رحمه الله، قد أدى امتحاناً، ابتداء من سنة ( 1302 هـ )، إلى خمس سنوات، منها سنتين في اللاذقية، وثلاث سنوات في حلب، وكانت اللجنة الفاحصة، تتعجب من ذكائه، حينما كان يجيبهم على أسئلتهم بكل جرأة، في جميع العلوم التي قرأها، وتفوق على الطلاب الذين يؤدون الامتحان معه، وقد نجح ولم يذهب للعسكرية


إجازاته العلمية
لديه إجازات من علماء في مصر والحجاز ودمشق
وممن أجازه، الشيخ العلامة المحدث محمد بدر الدين الحسني، والشيخ محمد بن جعفر الكتاني الحسني، والشيخ عبد الرحمن الشربيني، والعلامة الفقيه محمد بخيت المطيعي الحنفي، مفتي الديار المصرية، والشيخ عبد الجليل بن عبد السلام برادة المدني، والشيخ أحمد بن الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الله المنكا باوي الجاوي الشافعي الإمام والخطيب في المسجد الحرام، والشيخ حسين الحبشي با علوي الحسيني المكي، والشيخ بسيوني بن بسيوني بن حسن عسل الحسني الإدريسي الأزهري، والشيخ محمد البنا الحنفي الأزهري، والشيخ أبو الحسن عبد الفتاح بن الشيخ مصطفى الأديب المحمودي اللاذقي، والشيخ محمد صالح بن محيي الدين الصوفي اللاذقي، وكان قاضياً في إدلب سنة ( 1315 هـ )، وتدبج مع الشيخ يوسف الدجوي، والشيخ طنطاوي جوهري.

أقرانه وتلاميذه
كان للشيخ أصدقاء في كل بلد، في تركية ولبنان ومصر وسورية، وغيرها من البلاد العربية والإسلامية، أبرزهم العلامة الشيخ الفقيه أحمد الزرقاء، والشيخ محمد أبو الهدى الصيادي، والشيخ المفسر طنطاوي جوهري، والشيخ الكبير يوسف الدجوي
ومن تلاميذه: ولده الشيخ حسن، والذي تولى الإفتاء في إدلب بعد والده، والشيخ سليمان المصري، والشيخ المحدث محمد نعمان الحبوش ( مختار المشايخ، كما يسميه الشيخ المحدث محمد عدنان بن الشيخ محمد الغشيم، ويداعبه الشيخ العلامة أحمد القلاش بقوله: أنت فهيم ولست غشيم..) وقد كتب الشيخ نعمان حبوش ترجمة طيبة عن شيخه محمد طاهر الكيالي، وهي موجودة عند ولده الأخ عبد الحكيم حبوش

رحلاته ومكانته العلمية
حُبِّب إلى الشيخ رحمه الله تعالى، السفر ولقاء العلماء والأدباء، وكان كلما ذهب إلى بلد من البلاد، التقى مع جلة علمائها وأدبائها، وناقشهم في باب من أبواب العلم والأدب، وكان له القدح المعلى، في الحوار والمناقشة، وكان ينال إعجابهم، بذكائه ونباهته.. وقد زار الأستانة عدة مرات، بدعوة من صديقه الشيخ محمد أبي الهدى الصيادي، وكذلك زار لبنان وفلسطين ومصر والحجاز

جرأته في قول الحق
وكان الشيخ جريئاً في النصيحة وقول الحق، مما جعله يلقي كلمة بعد صلاة الجمعة في الجامع الذي يصلي فيه السلطان عبد الحميد، رحمه الله تعالى، فبعد أن نزل الخطيب من على المنبر، صعد الشيخ طاهر المنبر، والسلطان في مقصورته أمام المنبر، وألقى نصيحة للسلطان ومن في معيته، فوقف على باب المنبر اثنان من العسكريين، ولما نزل أخذاه باحترام إلى دار الحكومة، وسألوه عن قصده من هذه المحاضرة، فأجاب الشيخ بكل شجاعة: لا أقصد منها غاية دنيوية، سوى النصيحة لخليفة المسلمين ومن معه، فأخذوا عنوان إقامته، وخلوا سبيله، ولم يطلبه أحد بعد ذلك

اجتماعه بالعلامة عبد الرحمن الكواكبي
وفي سنة ( 1313 هـ ) اجتمع في حلب، وكان برفقة ابن عمه الشيخ محمد الحاج حسين الكيالي، شقيق الشيخ مصطفى، نقيب أشراف حلب، وقائم قام الجامع الكبير، أقول: اجتمع في بيت الشيخ الأديب صديق الجابري، بالشيخ العلامة المصلح عبد الرحمن الكواكبي، والسيد نافع باشا الكواكبي، وتدارس معهم في علم المنطق، ونال إعجابهم

زيارته لفلسطين ومصر
كما زار فلسطين سنة ( 1340 هـ )، واجتمع بالشيخ المجاهد محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين وغيره من العلماء والأدباء.
وفي السنة نفسها زار مصر واجتمع مع صديقه الشيخ طنطاوي جوهري مدير المدارس الخديوية بمصر، ونزل في ضيافته، واجتمع بشيخ الأزهر أبو الفضل الجيزاوي، الذي أعطاه غرفة في رواق الشوام بالأزهر، والشيخ أبو النصر يوسف الدجوي رئيس جمعية النهضة الدينية الإسلامية بالأزهر الشريف بمصر وعضو هيئة كبار العلماء، والشيخ العلامة الفقيه محمد بخيت المطيعي مفتي مصر الأسبق، والأستاذ العلامة محمد فريد وجدي، صاحب كتاب دائرة المعارف الإسلامية، وغيره من الكتب القيمة، والذي أهداه كثيراً من مؤلفاته، وكذلك التقى الزعيم الوطني سعد باشا زغلول، بعد عودته من المنفى.. وغيرهم وجرت بينه وبينهم مذاكرات علمية وأدبية فأعجبوا بفضل الشيخ وعلمه.. وجرت بينه وبين الشيخين الكبيرين طنطاوي جوهري ويوسف الدجوي مراسلات ومكاتبات رائعة وإخوانيات كثيرة استمرت لمدة عشرين سنة تقريباً، وذلك من سنة ( 1337 هـ / 1919 م ) إلى سنة ( 1354 هـ /1937)، وتدل هذه المراسلات على حسن البيان، وسعة الاطلاع، وعدم التكلف.

زياراته لدمشق
و في سنة ( 1340 هـ ) زار دمشق ونزل في ضيافة الأستاذ العلامة اللغوي المؤرخ سليم الجندي المعري، ورئيس المجمع العلمي الأستاذ المؤرخ الأديب محمد كرد علي

حواره مع مستشرق أمريكي
والتقى هناك بمستشرق أمريكي وحاوره طويلاً حول معراج النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته بحضور الأستاذ محمد كرد علي، وفي اليوم التالي أتى إليه المستشرق الأمريكي ومعه الترجمان، وكان الشيخ عند مضيفه الكريم الأستاذ سليم الجندي، وتابع الحوار معه، ثم أعلن إسلامه بكل حرية وقناعة
 

مواقفه
حينما دخل المستعمر الفرنسي إلى سورية، سنة ( 1338 هـ ) وقامت ثورة في البلاد، فتكت بالجيوش الفرنسية، وخصوصاً في جبل الزاوية، بقيادة الزعيم الوطني إبراهيم هنانو رحمه الله، ولما استولى الفرنسيون بعد ذلك، ألقوا القبض على كثير من الرجال، واعتقلوهم في السجن ليقتلوهم، فقام الشيخ محمد طاهر الكيالي، رحمه الله، بحكمته ودرايته، وبواسطة الحاكم العسكري القائم قام محمد بك، صاحب قرية قسطون وقتئذ، فخلص كثيراً منهم من السجن والقتل، فجاءوا إليه وشكروه على ذلك، وخاطبه أحدهم وهو الشيخ نور الطه، بهذه الآية الكريمة:( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً )
ولما لم يرق للفرنسيين، تدخل الشيخ بشؤونهم، والثورة لا تزال آثارها باقية، فإنهم قاموا بسجن رجال من إدلب، وعلى رأسهم الشيخ طاهر، فقام جماعة من وجهاء جبل الزاوية، وتوسطوا لبعض قواد الفرنسيين، لإخراج الشيخ من السجن وإطلاق سراحه، لمكانته في قلوب الناس واحترامه، فأطلقوا سراحه بعد يوم واحد فقط من سجنه، خشية أن يكون بقاؤه في السجن نقمة عليهم من رجال الثورة، التي لم تزل أوارها مشتعلة


عمله ووظائفه
عُيِّن مفتياً لمدينة إدلب، ونقيباً للسادة الأشراف، ورئيساً لعلمائها ومدرساً دينياً عاماً فيها
وكان له درس تفسير آيات الأحكام بعد صلاة الصبح، من كل يوم، ثم يقرأ أوراده، ويزور المقابر، ويمشي حول البلدة، ويقول إنها رياضة للجسم
وله كذلك درس عام بعد صلاة الجمعة، وأما درسه الخاص لتلامذته ( فقه ونحو، وغير ذلك ) فقد تركه قبل وفاته بنحو عشرين سنة، ليتفرغ لمطالعة الكتب المتنوعة، فقد كان يقرأ كل ما يقع تحت يده، وكان مجلسه مجلس علم ( مطالعة، أسئلة، حل مشكلة، إصلاح، وإلا فيشغل نفسه بذكر الله وقراءة الأوراد وما يحفظه من القرآن الكريم ) حتى بعد أن كف بصره في آخر عمره، فإنه كان يأمر من يقرأ له في الكتب، وهو يستمع إليه

صفاته وأخلاقه
كان الشيخ عابداً تقياً، ورعاً سمحاً، زاهداً في الدنيا، لا يعرف مقدار راتبه الذي يقبضه ولده الشيخ حسن، نيابة عنه، ويصرفه على العائلة، وكذلك لا يعرف شيئاً عن الواردات التي كانت تأتيه من أرضه، ولا يسأل عن ذلك، بل كان همه العبادة ومطالعة الكتب، وكان عنده مكتبة قيمة تحتوي على أكثر من ألف كتاب، وقد قرأ معظمها، وعلق عليها

ذهب للحج في سنة ( 1324 هـ ).. والتقى كثيراً من علماء مكة والمدينة، وأجازوه بمروياتهم

 

وفاته

بعد صلاة العشاء من يوم الثلاثاء، السابع عشر من شهر محرم الحرام سنة ( 1363 هـ ) الموافق للثاني عشر من كانون الثاني عام ( 1944 م ) فاضت روح الشيخ إلى بارئها، وانتقلت إلى الملا الأعلى، وبكاه القاصي والداني، وحزن على فراقه، وقد شيعت جنازته، صباح يوم الأربعاء، في جنازة لم تشهد إدلب لها مثيلاً، وحضر جنازته كثير من العلماء، والأقرباء، من حلب والمعرة، وغيرهما، رحمه الله تعالى