البيت الكيالي
الأستاذ محمد يحيى أبو السعود بن عبد القادر الكيالي الإدلبي ثم الحلبي
وجيه فاضل، له أياد بيضاء على الحركة العلمية بحلب، وآثار باقية في مدارسها وجوامعها، مدير الأوقاف العامة في سورية
ولد في مدينة إدلب عام 1883 وتوفي والده وهو في الرابعة من عمره، فكفله عمه الشيخ محمد أبو النور، فحفظ القرآن صغيراً، في أحد كتاتيب بلده، ودرس في مدارس الدولة، ثم عمل معلماً فيها، ثم مفتشاً في وزارة المعارف زمن الدولة العثمانية
أسند إليه منصب مدير الأوقاف في مدينة حلب، فنهض بأمر التعليم الشرعي، وعمل على إصلاح المدارس الشرعية، وضع النظم الجديدة لها ثم انتقل إلى بيروت، معاوناً للمراقب العام الفرنسي للأوقاف الإسلامية ورئيساً لدائرة الأوقاف الإسلامية في المفوضية الفرنسية العليا، لدولتي سـورية ولبنان، فحاز على ثقة المفوض الفرنسي بهذا المنصب، وقام بأعمـــــال خيرية وعلمية جليلة في بيروت من إنشاء مدارس شرعية، وبناء المساجد والسبل الخيرية، وغيرها من الأعمال التي ما تزال تشهد له
عاد بعدها إلى موطنه، وتولى إدارة الأوقاف العامة في سورية، وكان له الفضل الأكبر في النهضة العلمية التي حصلت في حلب في الأربعينات من هذا القرن، فقد عمل مع الشيخ محمد راغب الطباخ على إحياء المدارس الدينية، وأعاد افتتاح المدرسة الخسروية، بعد أن ضم إليها عدداً من المدارس الشرعية التي كانت شبه معطلة، فقام بإعادة ترميمها وأتم بناء حجراتها في جهتها الشرقية، كما بنى في آخر الرواق الشمالية قسطلاً ساق إليه الماء من قناة (عين التل)، وبنى بجانبها حماماً للطلاب، كما أعاد تنظيم الحجرات بجانب الباب الغربي، والتي كانت تستخدم مطبخاً، وفرش أرضها بالرخام، وجعلها إدارة للمدرسة، وخصص قاعة للمطالعة، وزودها بخزائن الكتب، ثم وضع لها نظاماً خاصاً، وعين لجنة دُعيت (لجنة المجمع العلمي)، برئاسة مفتي حلب الشيخ عبد الحميد الكيالي، بحثت في هذا النظام، ثم صادقت عليه، وأدخل في نظامها من العلوم عدا العلوم الآلية والدينية، علم الأخلاق، والتاريخ الإسلامي، والإنشاء والجغرافية، وقانون الحقوق الطبيعية، وقانون الأراضي وأحكام الانتقالات وأحكام الوقف، وعلم الحساب، وجعل لها نظاماً لقبول الطلاب وامتحاناتهم والشهادة الممنوحة لهم
أما أعماله الخيرة في المساجد والجوامع فأكثر من أن يحصيها العدّ نكتفي بالإشارة إلى أعماله في الجامع الأموي الكبير، فقد فرشه بالسجاد العجمي النفيس، ووزع السجاد القديم على بعض المساجد، وجدد قبة الحوض الصغير في صحنه، وطَلَى ظاهرها وظاهر قبة الحوض الكبير وأنشأ سبيل ماء بديع الصنعة بجانب بابه الغربي، وأكمل بناء الشرفات على جدار الرواق الشمالي، لتكون على نسق الشرفات في جهاته الأربع، ووضع درابزين من الحديد في أعلى المنارة، ودهن هذا الحديد والرفراف والدرابزين التي تحته، ونقش اسمه فوق هذا السبيل وفوق القنطرة الوسطى من الرواق الشمالي، وكمل بناء هذه الأعمال سنة 1343هـ
في سنة: 1353هـ -1934م صدر مرسوم سوري بإلغاء المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، وإحالة السيد محمد يحيى بيك الكيالي مدير الأوقاف الإسلامية العام إلى التقاعد، ذلك الرجل الذي فقدت سورية بإحالته إلى التقاعد رجل العلم والنزاهة والإصلاح والمقدرة
شهم، نبيل، نزيه، عفّ اللسان واليد، محب للناس، محبوب لديهم عطوف على الفقراء والمساكين، متفان في عمل الخير، يسعى للإصلاح بين الناس
ظل على هذه الأخلاق إلى أن وافته المنية، عام 1957 م وحزنت عليه مدينة حلب، وشيعته في موكب مهيب إلى مثواه الأخير في مقبرة الصالحين رحمه الله